العلاقة بين جهاز المناعة والتوتر هي علاقة معروفة منذ فترة طويلة. ربما لم يكن ذلك قد حدث لك، ولكن من المؤكد أن العديد من الأشخاص الذين تعرفهم قد أصيبوا بنزلة برد أو إنفلونزا بعد التوتر، سواءً أكان ذلك بسبب العمل أو العائلة أو تغيير كبير في الحياة.

في الحقيقة، يعتبر الارتباط تفاعلاً معقداً بين العمليات المختلفة في جسمك والتي تتضمن جهاز المناعة والجهاز الهرموني والجهاز العصبي المركزي (يشار إليه بالاختصار CNS). يمكن للضغط العاطفي في المواقف المسببة للتوتر أن تؤثر على هذه الوظيفة المتشابكة المعقدة من الأنظمة.

كيف يعمل جهاز المناعة

في الواقع، يستجيب جهاز المناعة الاستجابة الأولية لحدث مسبب للتوتر لحماية جسمك والحفاظ على صحتك. بما أن دماغك (جزء من الجهاز العصبي المركزي) ينظر إلى التوتر على أنه خطر، فإنه يرسل إشارات من خلال النظام الهرموني لنقل الخلايا المناعية إلى مناطق الجسم الأكثر عرضة للإصابة.

في حالة الجرح، تتوجه الخلايا المناعية إلى الجلد. كما أنها تنتقل إلى الرئتين، وكذلك المسالك البولية، والتناسلية، والجهاز الهضمي في حالة احتياجك لمكافحة العدوى. تُعد حركة الخلايا المناعية هذه أحد الأمثلة على كيفية تحفيز التوتر لجهاز المناعة على المدى القصير. إنها الاستجابة البيولوجية المناسبة التي يتكيف بها البشر لضمان البقاء على قيد الحياة عند حدوث توتر حاد - يستمر من دقيقة إلى ساعات.

ولكن اعلم أن هناك جانب سلبي لهذه الاستجابة الحادة. إذا كنت تعاني من مشكلة التهابية مثل حساسية الربيع أو تصلب الشرايين (تيبس الشرايين وضيقها)، أو إذا كان لديك مرض مناعة ذاتية مثل الصدفية أو التهاب المفاصل الروماتويدي، فقد يؤدي زيادة نشاط جهاز المناعة إلى الإضرار بجسمك.

أثر التوتر المزمن على جهاز المناعة

عندما يصبح التوتر مزمناً، بمعنى أن تظل في مواقف مسببة للتوتر لأسابيع أو حتى أشهر دون راحة كافية، يمكن أن يصبح جهاز المناعة حينها مكبوتاً. أحد التفسيرات لهذا التأثير هو أن التوتر المزمن بتسبب في تنشيط طويل أو متكرر للمسار الذي ينتج الكورتيزول، وهو هرمون التوتر. يُفرز الكثير من الكورتيزول بحيث تتوقف الخلايا التي من المفترض أن تتعرف على هذا الهرمون عن التعرف عليه بل وتصبح مقاومة له.

أظهرت الأبحاث التي أجريت على الأفراد الذين يعانون من توتر مزمن أنهم أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد، وتأخر التئام الجروح، وأصبح لديهم استجابة مناعية أضعف للتطعيمات.

6 طرق لتخفيف التوتر

يعد توفير الراحة الكافية لجسمك من الآثار السلبية التي تسببها ضغوط الحياة أمراً ضرورياً للحفاظ على صحتك والحفاظ على عمل نظام المناعة لديك بشكل فعال لوقايتك وحمايتك. هناك العديد من الاستراتيجيات لتخفيف التوتر في حياتك.

1. خذ استراحة

في بعض الأحيان تحتاج فقط إلى الابتعاد عن النشاط الذي يسبب لك التوتر. إذا تمكنت من أخذ استراحة من ضغوطك، قد تكون قادراً على منع الإرهاق وربما العودة إلى الأمور الضرورية المرهقة، لكن من منظور جديد أكثر إيجابية وإنتاجية.

2. احصل على قسط كافٍ من النوم 

كانت هناك دراسة أجريت عام 2009 بيّنت أن الأشخاص الذين ينامون أقل من سبع ساعات كل ليلة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالبرد بثلاث أضعاف. وقد وجدت الأبحاث أيضاً أن النوم يمكن أن يحسن الاستجابة المناعية للتطعيم وقد يساعد الخلايا التائية على التقاط أهدافها. يمكنك اعتبار الخلايا التائية جنود "جيش المناعة" في معركتك ضد العدوى.

3. اضحك

الضحك هو طريقة ممتعة لتعزيز صحتك المناعية. لا يمكن أن يخفف الضحك من حالتك العقلية المجهدة فحسب، بل يمكنه أيضاً إحداث تغييرات مادية في جسمك.

أظهر الضحك انخفاض مستويات الكورتيزول والأدرينالين (هرمونات التوتر). يمكنه أيضاً أن يعزز نشاط الخلايا المناعية والأجسام المضادة. أثناء تحفيز الاستجابة للتوتر في البداية، عن طريق زيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم، إلا أن الضحك الجيد يقلل من هذه العوامل، مما يتيح لك الاستقرار في شعور أكثر استرخاء. علاوة على ذلك، عندما تضحك، يفرز الدماغ الإندورفين، وهو "هرمون الشعور بالرضا."

4. تمرّن

يفيد التمرين المنتظم عقلك كما يفيد جسمك. إنه يقلل من مستويات هرمون التوتر ويطلق إشارة إنتاج الإندورفين. ما لم تكن مريضاً، يمكنك ممارسة التمارين لتخفيف التوتر كل يوم تقريباً. تقريباً أي نوع من التمارين سيمنحك بعض الفوائد.

الهدف الجيد هو ممارسة التمارين المعتدلة لمدة تتراوح من 30 إلى 40 دقيقة، مثل المشي يومياً. إذا لم تتمكن من إكمال 30 دقيقة كاملة في جلسة واحدة، يمكنك تقسيمها إلى أجزاء من 10 إلى 15 دقيقة. يمكنك أيضاً ممارسة تمرين قوي لمدة 15-20 دقيقة يومياً.

5. تأمل

يمكن أن يظهر التوتر العقلي في جسمك بطرق مختلفة. فهو قد يزيد من معدل ضربات القلب، ويرفع ضغط الدم، ويسرع تنفسك. عند تمرين عقلك من خلال التأمل، تتمكن من إرخاء جسمك.

أظهرت الدراسات التي أجريت على أساتذة اليوجا أن التأمل يمكن أن يقلل معدل ضربات القلب، ويقلل ضغط الدم، ويبطئ التنفس، ويقلل من استهلاك الجسم للأكسجين، بل ويغير درجة حرارة الجلد. عندما تتأمل، يمكنك خفض مستويات الكورتيزول والأدرينالين وتقليل الالتهاب. ابدأ بالتأمل لمدة 10-15 دقيقة 3-4 مرات في الأسبوع.

6. مارس تمرين التنفس

من خلال التركيز على أنفاسك، يمكنك تعلم تهدئة عقلك وجسدك. إليك بعض التقنيات التي يمكنك تجربتها.

  • التنفس اليقظ: ما عليك سوى أن تصبح مدركاً لأنفاسك وتحوّل تركيزك إليها. لا تقلق بشأن محاولة تغيير طريقة تنفسك. عندما تركز على أنفاسك، يبطئ جسمك بشكل عام من نمط تنفسه بحيث يمكنك الشعور بمزيد من الهدوء. عندما يظل عقلك متمركزاً حول حركة الهواء المار من أنفك وفمك، والداخل إلى رئتيك والخارج منها، ستشعر بأنه تأمل مريح.
  • التنفس البطني: هذا النوع من التنفس يضم فحصاً ذاتياً. استلق على سريرك أو على كرسي تمدد، ثم ضع راحة إحدى يديك على بطنك وضع اليد الأخرى على صدرك. عندما تتنفس، اشعر بجسمك وهو يشهق ويزفر الهواء من خلال ملاحظة حركة بطنك. تأكد من أن اليد التي على صدرك ليست هي اليد التي تعلو وتهبط. لاحظ أنه أثناء الزفير، تنقبض عضلات البطن وتضغط الهواء خارج رئتيك.
  • 8-7-4 تنفس: آن كينارد، حاصلة دكتوراه في طب النساء والتوليد، وزميلة الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء، وطبيبة معتمدة، تدربت على الزمالة في الطب التكاملي وتوصي بتنفس 4-7-8 كوسيلة "يمكن للمرء استخدامها لتقليل التوتر بسرعة." لقد تعلمت التقنية من معلمها الدكتور أندرو ويل الذي صممها باستخدام براناياما (تنفس اليوغا).

تقول الدكتورة كينارد: "لتقليل الاستجابة للتوتر، يجب أن يكون الزفير أطول من الشهيق." لإجراء التنفس 4-7-8، يجب أن تستنشق الهواء أولاً حتى تعد في ذهنك إلى 4. ثم، احبس أنفاسك حتى تعد إلى 7. وأخيراً، وأخيراً ازفر حتى تعد إلى 8.

وفقاً للدكتورة كينارد، "سيبدأ الشخص في ملاحظة تغير في وظائفه بسرعة. يستغرق الأمر حوالي 4 جولات فقط.” 

تشرح قائلة: "هذا تمرين [تنفس رائع] في الصباح... أو قبل النوم، أو في أي وقت يبدأ فيه المرء بالشعور بالتوتر قليلاً". "ستشعر بتحسن، ستعمل خلايا المناعة بشكل أفضل، وستنام بشكل أفضل."

الأطعمة والمكملات الغذائية التي تعمل على تخفيف التوتر

فيتامين "ج" 

فيتامين "ج" يمكنه أن يساعدك على دفع الآثار السلبية للتوتر. وجد الباحثون في ألمانيا أن من تناولوا فيتامين "ج" لديهم ضغط دم أقل وكورتيزول أقل مقارنة بمن لم يفعلوا ذلك بعد القيام بمهام مثل تقديم خطاب وحل مسائل رياضية صعبة.

الكيرسيتين 

الكيرسيتين هو مركب مضاد للالتهابات يمكن أن يساعد على منع إنتاج الكورتيزول عند الشعور بالتوتر. تناوله كمكمل غذائي أو ابحث عنه في أطعمة مثل التفاح والفلفل الحلو والشاي الأخضر والبصل الأحمر.

السيلينيوم 

السيلينيوم هو معدن يمكن أن يكون مفيداً لتخفيف مشاعر القلق التي تشعر بها عندما تتوتر. إنه متوفر في شكل مكمل وموجود أيضاً في أطعمة مثل المأكولات البحرية (خاصة الأسماك) ولحوم الأعضاء (مثل الكبد والكلى) والمكسرات البرازيلية. عند اختيار مكمل غذائي، ابحث عن "جليسينات السيلينيوم" في المكونات لأنه يتمتع بدرجة امتصاص عالية في أمعائك.

المغنيسيوم 

المغنيسيوم هو معدن آخر يمكن أن يكون مهدئاً للغاية. إنه قادر على العمل على الحاجز الدموي الدماغي، مما يمنع هرمونات التوتر من دخول الدماغ. اختر مكملاً غذائياً له أو تناول أطعمة مثل الكرفس والسبانخ والأفوكادو والشوكولاتة الداكنة.

أحماض أوميغا 3 الدهنية 

أحماض أوميغا 3 الدهنية له العديد من الفوائد الصحية. واحد من هذه الفوائد هو المساعدة على تقليل إنتاج هرمونات التوتر. توجد أحماض أوميغا 3 في أطعمة مثل الجوز والكاجوولحم البقر الذي يتغذى على العشب والأسماك الدهنية (مثل التونة والسلامون). عند اختيار مكمل، تأكد من وجود أهم حمضين دهنيين، وهما EPA و DHA، في قائمة المكونات.

تذكر أنه من الحكمة دائماً مراجعة مقدم الرعاية الصحية قبل البدء في مكمل جديد. هذا مهم للغاية إذا كنت تعاني من مشكلة طبية أو تتناول أي أدوية.